جزيرة الاحلام تحكي قصة تعايش وتسامح وصورة مشرقة للوئام الديني “الجزيرة ” أكبر نموذج مصغر في هذا العالم للأديان فيها المساجد والمعبد اليهودي وبعض المزارات الاباضية.
كتبت – سلوى العرفاوي
أرض الأحلام ، الليتوس ، جزيرة جربة .. مسميات كثيرة جمعتها أرض واحدة ، خُلقت من رحم أسطورة النار والمعرفة ، ومن أصل الخرافة ، ومن حقيقة المُعتقد وصدق الإيمان . الجزيرةُ التي حملت في ثنايا نشأتها رمزٌ من القداسة وقبسٌ من شعلة نار ، فكانت بدايةُ القصة هُنا ؛ بين الأرض والسماء ، إنها ” جزيرة جربة ” المسكنُ العالي لكل المعتقدات .
جزيرة جربة في تونس، أرض تعاقبت عليها الحضارات وتلاقحت فيها الأديان، فكانت أرض التسامح بامتياز. فيها يعيش المسلمون، سنة وأباظيين بجوار اليهود والمسيحيين، كمواطنين يجمع بينهم انتماء إلى وطن واحد. وقد لا يفرق بينهم سوى بعض العادات والتقاليد التي يشتركون في إحيائها في كل مناسبة دينية.
أمام عمليات وموجات التطرف والعنف والقتل التي تشهدها العديد من الدول في العالم ويذهب ضحيتها المئات من المواطنين الأبرياء، وتجد أساسها في التعصب الديني الذي يحكم بعض العقليات التي ترى أنها على صواب والآخر كله على خطأ ويجب قتله ومحاربته بما فيه التدين المعتدل، نجد نماذج من التعايش والسلم الاجتماعي يبعث ببعض الأمل حول مستقبل التعايش الديني بالدول العربية، ويتعلق الأمر بجزيرة جربة بتونس.
جزيرة جربة في تونس فوق شاطئها جلس أوديسيوس بطل ملحمة الأوديسة يوما ما ، واستلقى بحارته على رمالها تحت أشعة الشمس الساطعة قبالة سواحل تونس . جربة التي جاءها الحاج اليهودي يُشعل شمعدانا ويحتفي بطقوس الرجاء للغريبة داخل المعبد ، بين تلال جربة مساجد أيضا ؛ سيدي جمور ، ومسجد سدويكش ، ومسجد أجيم ، حيث صلَّى المؤمنون على هذه الأرض .
جربة ، أرض الأحلام التي توالى عليها حضارات مختلفة ؛ البرابرة ، والفينيقيون ، والإغريقيون ، والرومان ومن ثم الفتح العربي بقيادة ” رويفع بن ثابت ” سنة 45 هـ . إنها ملاذ للأقليات العرقية والدينية . بعد هَدم معبد سلمون بالقدس قَدم إليها منذ أقدم العصور اليهود الفارين فكانت ” أرض جربة ” بيت المعبد الثاني ، ثم جاء المسيحيون وتعايشوا فوق أرضها بسلام . ومن بعد الفتح جاء المسلمون .
جزيرة جربة خليط مركب يضم أعراقا و أديانا مختلفة تتعايش فيما بينها، مما يعكس انتماء واضحا و قويا إلى روح المكان وصلته العميقة التي تجاوزت كل الاختلافات . حيث أنَّ كبير أحبار اليهود في تونس ” حاييم بيتان ” يصرح بأنَّ ” الديانات تجمع ولا تفرق ” ، فالحوار الديني يهيءُ للعيش المشترك ويمنع أسباب الفرقة والتطرف بكافة أشكاله .
تقع جزيرة جربة التونسية في الجنوب الشرقي التونسي، وتعد من بين أكبر جزر شمال افريقيا، وعدا طابعها السياحي الساحر حيث يفضل التونسيون تسميتها بجزيرة الأحلام، تتميز جزيرة جربة بتعايش الديانات داخلها بين المواطنين التونسيين، ويعود هذا التعايش لعوامل عدة وعلى رأسها تعاقب الحضارات على الجزيرة كالحضارة الإغريقية والرومانية والإسلامية. وهذا ما يفسر وجود دور عبادة مختلفة بجزيرة جربة كالمساجد والمعبد اليهودي وبعض المزارات الاباضية. ومع أن أكثر من 85. من المواطنين التونسيين يعتنقون المذهب المالكي وهو أحد المذاهب السنية الأربع، إلا أن هناك أقليات دينية عددها لا يتجاوز الآلاف تعيش في تونس إلى جانب الأغلبية السنية دون أية مشاكل طائفية وبعيدا عن كل تعصب أو تمييز عنصري.
كشف سر التعايش بين الأديان والأعراق بجزيرة جربة والذي يعد من انجح نماذج التعايش اليوم في العالم يظهر يوميا في تفاصيل الحياة اليومية في الجزيرة ..ثمة فتاة غريبة ووحيدة داخل كوخ منعزل عن سكان الجزيرة ، هكذا بدأت القصة ، لم تخالط الفتاة أحدا من سكانها، وذات يوم أستيقظ السكان في الصباح على لهب يتصاعد من كوخ الفتاة الغريبة ، سارع أهل الجزيرة إلى الكوخ ووجدوه رمادا ، لكنَّ جسد الفتاة ووجهها لم تمسسه النار، حينها عرف سكان الجزيرة بأنَّ الفتاة قديسة على هذه الأرض .
فوق كوخ الفتاة الغريبة بنى اليهود أقدم معبد في التاريخ ، لقد جمعت الغريبة في هذه الجزيرة أصل الأسطورة ” أورفيوس اليوناني وشعلة النار ” ، ” طائر الفينيق الذي يُبعث من رماده ” ، الفتاة الغريبة تبعث حيَّة في هذا المعبد كلما امتلأ بزواره المؤمنين .
في السياق تظهر اعلانات وزارة الشؤون الدينية في جزيرة جربة أن زيارة الوزير أحمد عظوم إلى مقر كاتدرائية تونس للكاثوليك وتهنئته للمطران ” الريو انتنيازي ” ، بحلول السنة الإدارية 2019 ، هي زيارة تأتي في إطار اهتمام الوزارة ، ودعمها للتعايش بين الأديان ، وبناء جسور التواصل وتثبيت قيم المواطنة ، وذلك إطار توافق مع دستور البلاد واحترامها لأتباع كل الديانات السماوية .
في ديسمبر من كل عام تكتسي سماء وأرض جزيرة جربة باللون الأحمر والأخضر لتستقبل زوارها والحجاج بثوب التسامح والوئام والتعايش . الثوب الذي عرفته على مر التاريخ لتضيء شجرة الميلاد احتفالا بالعيد المجيد ، لقد آمَنَ الجميع بأن ثقافة الفرح والوئام والتسامح والسلام هي التي تجمعهم .
وبحسب الاحصائيات التي قدمها المندوب الجهوي للسياحة في ولاية مدنين السيد هشام المحواشي : احتلت الأسواق التونسية في جزيرة جربة المرتبة الأولى من الوافدين الفرنسيين والتي تقدر بـ 227 ألف وافدا، تليها الجنسية الروسية ثم الألمانية في مرتبة ثالثة . كما سجل شهر نوفمبر للعام الحالي قدوم أكثر من 17 ألف سائح جزائري .
أما نسبة الاشغال المتوقعة للفترة الممتدة بين 24 ديسمبر إلى غاية 1 يناير لعام 2019 فقد تكون بحدود الـ 30% ، وتتواصل نسبة الحجوزات بشكل تصاعدي إلى غاية يوم 31 ديسمبر حسب تصريحات المندوب الجهوي للسياحة بولاية مدنين .
في موسم الحج اليهودي إلى معبد الغريبة يشارك به المسلمون أيضا في أجواء تسودها ثقافة التسامح بين الأديان والتعايش السلمي ، فقد شَهدت الجزيرة قدوم نحو 6000 حاج يهودي من جميع أنحاء العالم ، إضافة إلى 1500 حاج يهودي تونسي . كما وشارك خلال الموسم الأخير عدد من السياسيين والفنانيين والإعلاميين على مختلف انتماءاتهم ومذاهبهم .