في جزيرة جربة ، يشكّل لباس النساء وثيقة هوية تكشف عن أصولهن ومكان سكناهن، عزباوات أو متزوجات.
ففي ذلك المكان الساحر الواقع جنوب شرقي البلاد، ترتدي النساء “البسكري” أو “الملحفة”، بتفاصيل تكون في الغالب محددة للمناسبة أو للوضعية العامة، في تقليد توارثته نساء الجزيرة منذ مئات السنين .
و”البسكري” هو كساء تلبسه نساء الجزيرة، وخصوصا في المناسبات، يلبس ويُلفُّ على كامل جسد المرأة، ويحمل في تفاصيله تراث المنطقة، وتختلف أنواعه باختلاف الخيوط المنسوجة بكل قطعة، حيث يستعمل الحرير وتضاف له أحيانا خيوط الفضّة .
أما “الملحفة” الجربية، فتلبسها المرأة عند الخروج من البيت، ولا تختلف كثيرا في مستوى لباسها عن “البسكري”، فهي لحاف يستر كامل جسدها، وعادة ما يكون لونه أبيضا ناصعا أو أحمرا قانيا، وتتميز عن “البسكري” ببساطتها من حيث الألوان والزينة .
** تنوّع يصنع خصوصية الجزيرة
سوسن اللويزي، إحدى نساء الجزيرة، قالت للأناضول إن المرأة الجربية تلبس 5 أنواع من اللحاف وهم “الِبّليري” و”الفُوطة” و”الملْحفة” و”الرْداءْ ” و”البسكري”.
ويكمن الاختلاف بين هذه الملابس على مستوى الألوان والعديد من التفاصيل البسيطة الخاصة بطريقة اللباس .
اللويزي أوضحت أنّ “البسكري تلبسه النساء في الأفراح، أما الِبّليري فيُلبس أيام الحداد، وعادة ما يكون لونه أحمر، والفوطة تلبسها النساء لتقديم العزاء”.
أما “الملحفة”، فتقول اللويزي إن المرأة الجربية ترتديها أثناء خروجها من البيت إلى السوق، فيما تلبس “الرْداء” (يسمى أيضا “الحولي”)، في البيت، ويمكن أن تخرج به للأماكن القريبة مثل الجيران”.
وعند موت أحد سكان الجزيرة، فإنه بالإمكان تمييز أسرة الميّت عن بقية الموجودين بالمكان، وذلك من خلال اللباس الأحمر الذي ترتديه النساء.
كما يمكن التمييز بين نساء الجزيرة أيضا بحسب لون “الملحفة” التي يرتدينها عند الخروج للتسوّق، أو من خلال التفاصيل الموجودة في “البسكري” الذي يلبسنه في المناسبات السارة.
ووفق الوليزي، فإن المرأة في مدينة “قلالة” بالجزيرة، والمعروفة بأنها مدينة أمازيغية، ترتدي “ملحفة” كاملة البياض.
أما في منطقة “الماي” على بعد نحو 10 كلم عن مركز الجزيرة، فترتدي النساء الملحفة المميزة بالخيوط العمودية والمزينة باللون البرتقالي.
وفي منطقة “مليتة” الواقعة على بعد نحو 7 كلم عن مركز الجزيرة، تلبس النساء ملحفة “الزويزات” المميزة بالخطوط الصفراء الرقيقة جدا.
وفي مدينة ميدون (20 كلم عن الجزيرة)، فيرتدين “ملحفة” زرقاء اللون.
ومن المميزات الأخرى التي تصنع خصوصية لباس المرأة في الجزيرة، هو أن النساء في منطقة “الماي”، يشددن حجابهن باستعمال جزء من اللحاف تحت الرقبة.
فيما تضع النساء في منطقة “سدويكش” (30 كلم عن الجزيرة)، طرحة الحجاب على الجهة اليسرى للرأس .
ورغم التطور الكبير الحاصل في الموضة، إلا أنّ المرأة الجربية تحافظ حتى اليوم على لباسها المميّز، في خصوصية يمكن ملاحظتها من خلال جولة صغيرة داخل أسواق المدينة.
ويُعتبر “البسكري” في جزيرة جربة جزءا أساسيا من جهاز العروس المقبلة على الزواج .
شكري الطبجي، وهو حرفي بالجزيرة، قال للأناضول: “خلافا لبقية المناطق الأخرى في تونس، فإن جربة حافظت على لباسها التقليدي”.
** حرفة تواكب التطور
الطبجي أضاف في حديث للأناضول، أن سكان الجزيرة يتهافتون بشكل كبير على شراء “البسكري”، خصوصا أثناء موسم الأعراس.
وخلافا لصناعة الزربية، فإن حياكة “البسكري” تجري بشكل أفقي، ويسمى القائم بهذه الحرفة “حوكيا”.
وتُطلب من “الحوكي” الدقة الكبيرة في التعامل مع الخيوط الموجودة أمامه في طاولة الحياكة .
ويستغرق إنجاز “البسكري” (طوله بين 3 إلى 4 أمتار)، نحو 12 يوما .
ورغم قلة اليد العاملة المختصة في هذا المجال، إلا أنّ الطبجي يسعى إلى تكوين جيل آخر من الحرفيين، يكون قادرا على الإبداع في هذا المجال الذي يعتبره “الأرقى دون ريب”.
ويتراوح سعر “البسكري” بين 350 دينار (ما يعادل نحو 144.6 دولارا) إلى ألف و600 دينار (661 دولارا).
وتختلف الأسعار بحسب الزينة الموجودة في كل قطعة، وبحسب المواد المستخدمة فيها.
ويتابع الطبجي: “نحاول تطوير المواد المستعملة، مثل الحرير والفضة أو دمجهما معا في قطعة واحدة”.
وبمرور الوقت، نجح حرفيو البسكري في تطويره من شكله القديم إلى آخر جديد يتماشى مع تطور العصر، دون التنازل على خصوصيته التراثية المميزة لهذا المنتوج . –
المصدر : وكالات