مدنين : قراءة في العمل المسرحي الجديد للمسرح الصغير حلمة ….V.S! ( صور )

In الأخبار, ثقافة و فن On
- تم تحديثه في

قام المسرح الصغير بطريق بني خداش بمدينة مدنين بتقديم عرضه الجديد مؤخرا حلمة …V.S!نص واخراج المبدع كريم الخرشوفي امام لجنة انتقاء العروض لوزارة الشؤون الثقافية بقاعة دار المسرحي بباردو تونس في انتظار انطلاق العروض الرسمية.

عن هذا العمل المسرحي الجديد امدتنا روضة بلڨاسمي ناشطة بالمسرح الصغير بهذه القراءة لهذه المسرحية .يقول الرّوائي الفرنسي “جوستاف فلوبار”: “أؤمن أنّ إطالة النّظر إلى السّماء تنتهي بالمرء مع أجنحة”، هكذا هي “حلمة..” وهذا هو الأساس الذي بني عليه هذا العرض المسرحي.

مسرحيّة “حلمة ” من كتابة وإخراج الأستاذ المسرحي “كريم خرشوفي” يجسّدها خمس ممثّلين على الرّكح وهم على التّوالي “ضو حمزة خلف الله-بوبكر الغناي-أشرف التواتي-أحمد حشيشة-عزالدين مهداوي”، يؤمّنها تقنيّا كلّ من “جلال الحمودي” في الإضاءة، “حسام النجاري” في التّصميم الموسيقي، إلى جانب “ياسين اللملومي” في الجانب السّينوغرافي، “خلود الشوكي-عمر المشهور” في التّوضيب الركحيّ، اِنتقاء وتصميم الملابس كان بلمسة “سيرين زروق” و”سفيان بن مغلية” في التّصوير الفوتوغرافي إلى جانب “حازم المحضاوي” في تصميم الفيديو من خلال تقنية «المابينڨ».

هذا هو الفريق المتكامل لهذا المولود الجديد تحت عنوان “حلمة…V.S!” . هي مسرحيّة تطرح مقاربة بين الحلم والواقع؛ حلم الشّباب اِنطلاقا من فترة نضجه وصولا إلى كهولته، هي نصّ يثير تساؤلات عميقة أمام إجابات عقيمة…تلك هي “حلمة…V.S!”

. يبدأ العرض بصوت حنفيّة معطّبة وهي تقطر على نحو متقطّع، وهناك في أقصى الرّكح…وعندما يعي الجسد بأنّه ترجمان علاقتنا بالعالم، سرعان ما تتسلّل من أقصى الرّكح مجموعة من الشّخوص لتجسّد حركات إيمائيّة بطيئة تحاكي صوتا جهوريّا يقتحم آذان الرّكح ” أيّها المسجون …المقيّدة حريّاته”… الإطار العام للعرض هو فضاء السّجن واقعا معيشا وحلم يقظة يحتضر…يطغى اللّون الأحمر على أغلب عناصر الدّيكور وتتخلّل مقاطع التّمثيل مقاطع صوتيّة تأتي محاكاة لصور بصريّة؛ إمّا استباقا أو تلخيصا…وتتراوح المقاطع الصوتيّة بين الفردي؛ صوتا يحاكي حركات الشّخوص، والجماعي؛ من خلال تقديم مقاطع غنائيّة فولكلوريّة تنهل من التّراث الجمعي” طوائف غبنتن”.

“حلمة..”، نصّ كوميديّ ساخر ينحو منحى تراجيديّا، يأخذ بعدا واقعيّا متخيّلا، يتستّر بشكل فاضح…هو الذي يأبى أن يكون إلاّ الشيء ونقيضه، تلك هي مقاربة الكاتب للواقع، مقاربة تستهوي القارئ، المشاهد،المستمع العجول لتستقرّ في عقل حكيم، تثير تساؤله…هكذا هي تظلّ في المنتصف، وتأبى الحياد كحرقة الشكّ في قلب النّاسك؛ فيغريه الهزل حينا وتنهكه الحقائق حينا آخر… اِنطلاقا من فكرة السّجن، وتجسيدا لها عبر جملة من الممثّلين “المساجين”، يعاد طرح السّؤال البديهي الذي لا يحمل إجابة تستوفيه؛ مامعنى سجين؟ ومتى تثبت تهمته؟ هل عندما يدرك بأنّ زنزانته هي أوسع مكان بالعالم وأنّ ترقيمه داخلها هويّته الوحيدة؟ ما معنى بشر؟ وما معنى إنسان؟

اِنطلاقا من “حلمة..” يسلّط الضّوء على واقع السّجون كمحاولة لتغيّير الفكرة السّائدة؛ السّجن بماهو فضاء لممارسة العقوبات التي يفرضها القانون على الجناة والمجرمين الذين قد يشملهم العفو حينا، وقد تنقضي مدّة عقوبتهم حينا آخر…ولكن هذا ليس محلّ تساؤل هذا العمل المسرحيّ وإنّما الشّاغل الأساسي؛ كيف هو حال السّجين إبّان سراحه؟ هل كان السّجن فضاء ردع وتكوين وتهيئة وإصلاح أم فضاء عنف وعقوبة ولّد مشاعر نقمة مكبوتة تنتظر السّراح؟ تدعو المسرحيّة إلى ضرورة إعادة النّظر في واقع السّجون وحال المساجين وفكرة السّجن في حدّ ذاتها، فليس كلّ سجن يحمل إطارا وقضبانا…سجينا وسجّانا. فتضيّيق دائرة التّفكير سجن، ومحاولة اقحام نماذج لاتشبه الواقع سجن، والتّفويت في بعض الحقوق سجن من نوع آخر… “أنا غالط…أما انت لزيتني” هكذا وعبر طريقة “المونولوغ” تحاول كلّ شخصيّة تفكيك سجنها ليس تبريرا لجرم وإنّما شرحا لأسباب أوجدها الواقع وتنافت مع الحلم… فكيف لنا أن نحلم أن نحتفل؟ أين يكمن الجبن؟ هل تمحو السّجون آثار الخطّائين أم تثبّت الجرم بالدّليل؟ كيف نستأنس بأوطاننا وكيف لنا أن نرسم الإحتواء وأيدينا لا تعرف سبيلا للفنّ إلّا بخنجر؟ تركّز المسرحيّة على ظاهرة اجتماعيّة متفاقمة في أغلب الدّول العربيّة ألا وهي “هجرة الأدمغة” أو كما يسمّيها البعض”نزيف الأدمغة”…وذلك اِنطلاقا من “حلمة…V.S!” وعبر شخصيّة الدّكتور مخترع الأكلة السجنيّة الطبيّة “الرّفسة” التي يرتدّ صداها ويكسر بها الصّمت الذي يسود أرجاء الرّكح ” لقيتها لقيتها لقيتها”، والتي بها تنقلب موازين قوى العالم في عقل عالم حالم…تلك هي “حلمة…V.S!”… “يا ليتها حلمة”، “تمنّيتها حلمة” …تكرار هذه العبارة على ألسنة الشّخوص كان كاف لتأكيد أنّ الحلم هو بداية لطريق الوعي بالذّات…وكما يقول “كارل ماركس”:” الحاجة عمياء حتى تصبح واعية، الحريّة هي الوعي بالضّرورة” فالوعي الذّاتي هو بداية لكلّ تغيّير.

وإذا ماكان التغيّير ضرورة ملحّة لكلّ واقع سجنيّ، فإنّ “الرّفسة” “مقاومة لكلّ الظّروف المناخيّة” وتأبى التغيّير… تلك هي “حلمة…V.S!”، تخلق مفارقة عجيبة تضعك في حيرة بين ضحكات أبله وحيرة عالم، عالم تقوده أعلى درجات الوعي إلى أدنى رتب الواقع الوضيع، فيلقّب بالسّجين…ذاك هو حدّ الجنون..عالم أنهكه التّفكير في تغيّير حال بلاده، كيف نقنعه بأنّ ذاك الصبّار الذي يحيطه يحميه ولن تعلّق عليه أشلاؤه يوما!! فمتى تثبّت الأوطان أوتادها؟ ومتى تثبت تهمة السّجين؟ “حلمة…V.S!” هي مرآة للواقع، لواقع سجين يحترف السّعادة .. “الرّفسة” هي حلمة، الحلم هو سلاح الشّعب الأعزل داخل سجون الإحتلال في الوطن.

*ميمون التونسي

قائمة الموبايل