اختتم بنزل اوديسي بالمنطقة السياحية بمدينة جرجيس من ولاية مدنين ملتقى علمي من تظيم جمعية التنمية والدراسات الاستراتيجية بالشراكة مع مخبر الاقتصاد والمجتمعات الريفية بمعهد المناطق القاحلة بمدنين والمعهد العالي للتصرف بقابس (جامعة قابس) حول ” التنمية المحلية المتوازنة والمستدامة، اي دور للمنظومة الجديدة للحوكمة الترابية في تقليص التباينات المجالية وإرساء المساءلة الاجتماعية بالبلديات المحدثة؟ ”
وهذا الملتقى الذي انتظم يومي20-21 افريل 2024 جمع 60 دكتور واستاذ جامعي وخبير ومتدخل في الشأن التنموي حيث تم تقديم 20 مداخلة علمية إضافة الى حصة حوارية خصوصية تتعلق بآفاق التنمية بالجنوب التونسي اثثها عدد من الاساتذة الجامعيين. هذا المؤتمر انتظم في إطار مشروع “شارك” الذي يهتم بدعم دور المساءلة الاجتماعية في تحسين الحوكمة و السياسات التنموية خاصة بالبلديات المحدثة .خلال هذا الملتقى تم التحاور حول التحديات التي تواجهها تونس اليوم اذ يتوجب عليها اتخاذ الإجراءات اللازمة ووضع الخطط والبرامج الكفيلة بتجاوز الصعوبات القائمة عبر بناء منوال تنموي يدفع بنسق التنمية بمختلف أقاليم وولايات البلاد ويساهم في تحسين المؤشرات في المجال الاقتصادي والاجتماعي وفي تقليص التباينات المجالية. فاليوم أصبح من الضروري الاستجابة لمتطلبات المرحلة القادمة بتونس عبر إضفاء النجاعة على السياسات التنموية وتأمين وقعها الإيجابي وتوفير الأدوات والوسائل الكفيلة بضمان بلوغها للأهداف المرسومة.
إلّا أن تجسيد هذا التوجه يبقى رهين حسن توزيع الأدوار بين الفاعلين وتحديد المسؤوليات بدقّة وضبط مجالات تدخل مختلف الأطراف الفاعلة.
فالشأن التنموي في تونس يتطلب تظافر كل الجهود انطلاقا من الدور الاستراتيجي للدولة ومؤسساتها ومؤسسات البحث ومراكز الفكر مرورا بأهمية القطاع الخاص في الدفع بالعملية التنموية على جميع المستويات وصولا إلى دور المجتمع المدني الفاعل بحسب د.رياض البشير رئيس جمعية التنمية والدراسات الاستراتجية لاذاعة اوليس اف ام .
**توصيات واكد المشاركون بحسب ذات المصدر في اختتام الملتقى على اهمية مثل هذه المبادرات العلمية النموذجية التي تبرز دور الفكر والبحث العلمي في توجيه السياسات التنموية كما تم التاكيد على ضرورة تطبيق لامركزية حقيقية وتمكين السلط اللامركزية من آليات عمل ناجعة حتى يتم اتخاذ القرار على المستوى المحلي القريب من الواقع والعارف بأهم التفاصيل والمشاكل التي تعيشها الجهة. اليوم من المهم التفكير في امكانية ارساء ثلاثة أبعاد وهي :
• اللامركزية السياسية: وهي ان يتوفر أعلى درجة من الديمقراطية على المستوى المحلي لضمان درجة عالية من المشاركة المجتمعية في صنع القرار،
• اللامركزية الادارية : والتي ترتبط بنقل سلطة اتخاذ القرار إلى مستويات أدنى وفقا للسلم الاداري من أجل الاستجابة لاحتياجات المواطنين بسرعة وشفافية.
• اللامركزية المالية : تمنح صلاحيات أكبر للولايات في جمع وسرعة إنفاق الاموال مما يحقق استخداما أفضل للموارد. اليوم أيضا من الضروري اعتماد اليات المساءلة الاجتماعية وتقييم المخططات الفارطة بصفة تشاركية موسعة لمعرفة مدى النجاح في تنفيذه والوقوف على الإشكاليات التي حالت دون تنفيذ البعض منها لتلافيهاعند الإعداد للمخططات القادمة المتعلقة بولايات الجنوب التونسي والتي يجب أن تعتمد أساسا على التشريك الفعلي لممثلي السلطة الجهوية في مرحلة التحكيم لضمان مزيد ملائمته مع الخصوصيات والقدرات والإمكانيات الواقعية والفعلية للجهة واستجابته للأولويات والمتطلبات التنموية الحقيقية التي تتماشى معها بعيدا عن النظريات والمشاريع المسقطة مركزيا.
واكد عدد من الباحثين المشاركين ضرورة تمكين المنطقة من إطار استراتيجي ونظرة مستقبلية حول التنمية الجهوية خاصة بالإقليم الخامس تتنزل ضمن أفق مستدام يتم تبنيها بصفة قبلية حتى تتمكن الجهة من تطوير مسار التنمية الاقتصادية و الإجتماعية وعرضها على الدوائر المسؤولة المركزية منها والجهوية للاستئناس بها في تصور و اقرار مشاريع التنمية.
كما تمت الاشارة انه ولتحقيق التنمية الجهوية في هاته المرحلة الجديدة بتونس يتحتم المرور بالعناية بكل ما هو مرافق وخدمات ولكن لا يجب الاقتصار على هذين المقومين الأساسيين لتتعدى إلى ما هو هيكلي وبنيوي أي النهوض بالجهات من الداخل وجعلها تقوم بدور فعال على المستوى الوطني و لتسهم في صيرورة البلاد والوطن ولا يتم ذلك إلا من خلال تمكينها من آليات وإمكانات الاعتماد على الذات ولو نسبيا وبدرجة محدودة تبعا لإمكاناتها وخصوصياتها ومعوقاتها.
و من الضروري هنا تعزيز الثقة و الصلة بين النمو والتقدم الاجتماعي وتثمين الموارد، لا سيما من خلال خلق فرص عمل أكثر عددا و إنتاجية، مما يسمح للجهة باتباع مسار تنموي أكثر قوة و استدامة و شمولية يثمن الامكانيات. كما تم التاكيد على اهمية دور المجتمع المدني الفاعل حيث توجد مخاطر عديدة يمكن ان تهدد مسار المنظومة الجديدة وتكمن في إمكانية ان تواصل المصالح المركزية والجهوية للدولة في الهيمنة على عملية التخطيط الترابي داخل مختلف المجالس المنتخبة.
كما ان مشاركة المجتمع المدني في اجتماعات مختلف المجالس يعتبر أساسيا في الديمقراطية التشاركية لكن هذه المشاركة ليست الزامية حسب النص وتخضع للسلطة التقديرية لرئيس المجلس وهو ما يمكن ان يطرح عدة إشكاليات في المستقبل.
وتم التاكيد في الختام على ضرورة تواصل مثل هذه الملتقيات العلمية التي تساهم في توجيه السياسات التنموية عبر اصدار الورقات التوجيهة والكتب وهو ما ميز هذا الملتقى الذي تم خلاله طباعة كتاب جماعي ب300صفحة حول الفرص والتحديات التي تواجه تحقيق تنمية متوازنة بالجنوب التونسي حيث سيقع تمكين اصحاب القرار من عدد من النسخ.
*ميمون التونسي