شكّلت الفترة النيابية الفارطة بكل مشاهدها تصورا سلبيا لدى الكثير من التونسيين حول طبيعة عمل نواب الشعب داخل البرلمان، حيث حضرت مشاهد العنف وغابت الإنجازات التي أُنتخب من أجلها النواب فتعالت الأصوات منذ ذلك الوقت الى ضرورة إحداث قانون يتم بمقتضاه سحب التفويض الشعبي للنائب في صورة عدم ايفاء الأخير بتعهداته الانتخابية، وهوما قام بتفعيله رئيس الجمهورية قيس سعيد في القانون الانتخابي الجديد حيث تم إدراج بند إمكانية سحب الوكالة في الفصل 39 من هذا القانون كما تم تحديد آليات لتطبيقه .
فهل المواطن على دراية بتفاصيل إجراء سحب الوكالة من النائب في البرلمان ؟
وكيف يمكن تطبيق هذا الإجراء ؟ وماهي تبعاته ؟
إجراء سحب الوكالة من النائب يثير جدلا بين المواطنين
نصّ الفصل 39 من ذات المرسوم على سحب الوكالة من الناخب وحدد شروطها وألياتها وطرق الطعن فيها .
إختلفت الأراء بين المواطنين حيث اعتبر البعض إجراء سحب الوكالة من النائب في البرلمان تحقّق بعد مطالبة شعبية تجسّدت في نتائج الاستشارة الالكترونية بينما إعتبره آخرون إجراء غير واقعي وصعب التحقيق.
ويتبين هذا الأمر من خلال رصد أراء مجموعة من المواطنين في جزيرة جربة حول إجراء سحب الوكالة من النائب .
حدّد الفصل 106 من المرسوم عدد 55 لسنة الحالية المتعلق بتنقيح القانون الاساسي الخاص بالانتخابات
التشريعية عدد مقاعد مجلس نواب الشعب ب 161 مقعدا، والدوائر الانتخابية ب 151 داخل ارض الوطن و10 خارج البلاد .
فولاية مدنين مثلا اصبحت تضم 7 مقاعد في البرلمان القادم بعد أن كانت 9 مقاعد من خلال عدد من الدوائر الانتخابية الجديدة .
وتتوزع الدوائر الانتخابية الجديدة الى كل من الدائرة الانتخابية بمدنين الشمالية ودائرة مدنين الجنوبية وسيد مخلوف ودائرة بنقردان ودائرة جرجيس ودائرة بني خداش ودائرة حومة السوق ودائرة اجيم وميدون .
والى حدود ال 27 من اشهر اكتوبر الماضي بلغ عدد المترشحين للإنتخابات التشريعية القادمة في ولاية مدنين 51 مترشحا ويتوزع هؤلاء المترشحون كالاتي :
تفاصيل إجراء سحب الوكالة من النائب في البرلمان
يعتبر إجراء سحب الوكالة من النائب في تونس من بين أهم ما جاء به القانون الإنتخابي الجديد حيث يمكن سحب الوكالة من النائب عن دائرته الانتخابية اذا ما ثبت تقصيره في القيام بواجبه النيابي او عدم تحقيق برنامجه الانتخابي الذي تقدم به عند ترشحه .
واشار الفصل 39 من مرسوم القانون الانتخابي الجديد انه لا يمكن سحب الوكالة قبل انقضاء الدورة النيابية الاولى او خلال الاشهر الستة الاخيرة من المدة النيابية .
ولا يمكن تقديم عريضة سحب الثقة الا مرة واحدة طيلة المدة النيابية كما يتم تقديم عريضة لسحب الوكالة من النائب معللة وممضاة من قبل عُشر الناخبين المسجلين بالدائرة الانتخابية التي ترشح بها النائب الى الدائرة الفرعية للانتخابات المختصة ترابيا على ان تكون الامضاءات معرفة لدى السلط المحلية.
ومن ثم تتولى الهيئة التثبت في استفاء العريضة للشروط القانونية، ولا يمكن الرجوع في الامضاءات بعد تقديمها الى الادارة الفرعية لانتخابات المختصة ترابيا .
وتصدر الهيئة قرارها اما بالرفض او بالقبول بعد ان يتم اعلام النائب المعني بالامر ومجلس نواب الشعب ومن قام بإيداع العريضة وتقوم الهيئة بنشره في مقرها وعبر موقعها الالكتروني .
وفي المقابل يمكن للنائب المعني بسحب الوكالة ان يطعن في قرار الهيئة المتعلق بقبول العريضة امام المحكمة الابتدائية بجهته وفق نفس الشروط والاجراءات المنصوص عليها في الفصلين 7 و30 من القانون الانتخابي .
ويمكن للمواطنين الذين قدموا العريضة ان يطعنوا في قرار الهيئة المتعلق برفض العريضة امام نفس الدائرة المختصة وفق نفس الشروط والاجراءات المنصوص عليها.
وفي صورة قبول العريضة وسحب الوكالة من النائب تحدد الهيئة موعد لتصويت الناخبين على عريضة سحب الوكالة في الدائرة المعنية بمقتضى القرار الصادر ويتم نشر هذا القرار في اجل لا يتجاوز 60 يوما من تاريخ انقضاء اجل الطعن في عريضة سحب الوكالة او تاريخ صدور حكم بات عن المحكمة الابتدائية .
اجراء صعب التفعيل
امام هذه التفاصيل وضع المُشرّع الناخب التونسي امام مجموعة من الخيارات الدقيقة لسحب الوكالة والتي فتحت الباب امام قراءات استباقية سواء من المختصين في القانون او من مكونات المجتمع المدني .
من جانبها تشير استاذة القانون الدستوري فاطمة الرعٌاش رقية الى وجود اشكالات في هذا الاجراء او علامات الاستفهام حول الجهة التي ستقيّم اداء النائب ومردوده .
وبحسب الرعٌاش فان هذه الشروط يمكن ان تضع النائب تحت ضغط كبير من قبل الناخبين وبالتالي يمكن ان يكون التقييم غير موضوعي، وفق تعبيرها .
وأوضحت “ الهيئة المستقلة للانتخابات هي الجهة المخول لها النظر في مطلب سحب الوكالة من النائب، وبالتالي تحولت هذه الهيئة الى جهة شبه قضائية “
وتابعت سيؤثر إجراء سحب الوكالة من النائب على الاستقرار داخل المجلس النيابي، إضافة الى وضع النائب امام المزايدات، حيث سيفرض هذا الأمر إجراء انتخابات مرة اخرى وكأن قدرنا هو تنظيم الانتخابات لا غير ” .
هذه القراءة القانونية لا تبتعد كثيرا عن راي بعض مكونات المجتمع المدني، ومن بينها جمعية ملاحظون بلا حدود الناشطة في مجال مراقبة الانتخابات وعمل المجلس النيابي .
ويرى مراد بوعون، العضو في جمعية ملاحظون بلا حدود أن هذا الاجراء واضح بالنسبة للمجتمع المدني لكن ابرز الاشكاليات تتمثل في ان المجلس غير مسؤول عن نوابه
وأوضح ” النظر في مطلب سحب الوكالة سيوكل إلى هيئة الانتخابات عوض المجلس، اذ يمكن ان يتم سحب وكالة عدد من النواب دون علم المجلس “
واضاف “ سحب الوكالة للنائب سيُنمّي العروشيّة داخل الجهات الداخلية حيث ان شرط عُشر النواب لسحب الوكالة سهل للغاية داخل الدوائر الانتخابية الصغيرة “
واوضح “ في دائرة انتخابية كبيرة تحتوي على 150 الف ساكن يجب ان يتوفر 15 الف صوت لسحب الوكالة من النائب بينما في الدائرة الانتخابية الصغيرة التي تحتوي مثلا على 70 الف ساكن يستوجب فقط 7 الاف صوت وهو الامر الاسهل وسيؤثر هذا بشكل كبير على الدورات النيابية اضافة الى انه يمكن ان يعمق مبدا العروشية والجهوية خاصة في هذه الجهات “
وبالنظر الى البرنامج الانتخابي للنائب واذا تم اعتماده كمعيار للتقييم ومن ثم سحب الوكالة منه فقد اثبتت التجارب النيابية السابقة انه من الصعب تحقيق البرنامج الانتخابي في فترة سنة او سنتين
الهيئة المستقلة للانتخابات المسؤول الاول على تطبيق اجراء سحب الوكالة
وعن دورة الهيئات الفرعية للانتخابات في تفعيل الفصل 39 قال بلقاسم هلالي رئيس الهيئة الفرعية للانتخابات بمدنين “عمل الهيئة الفرعية وعقود الاعوان مرتبط اساسا بالانتخابات التشريعية بينما يمكن استكمال المسار حتى وان انتهت هذه العقود ونحن دائما في مرجع نظر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ستتولى اجراءات سحب الوكالة ” .
من جانبه أكد الناطق الرسمي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، أن عمل الهئية يرتكز هذه الفترة حول إنجاح الانتخابات التشريعية القادمة .
وحول اجراء سحب الوكالة من النائب أشار المنصري الى أن الهيئة ستقوم بدورها المنصّص عليه في القانون الإنتخابي بعد تركيز المجلس النيابي الجديد .
محمد التليلي المنصري
الناطق الرسمي للهيئة العليا المستقلة للإنتخابات
يعزز الفصل 39 من القانون الانتخابي الجديد الرقابة على النائب المنتخب وهي من الاليات المعمول بها في بعض الدول عبر التاريخ ولكن يبقى اجراء سحب الوكالة معقدا حتى لا يستهل الناخب التونسي هذا الامر في ازاحة من انتخبه كما سيكون سيفا مسلطا على رقاب النواب طيلة المدة النيابية .
وبالرغم من تعزيز القانون الانتخابي الجديد لدور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات غير أنها والى غاية اليوم لم تمارس واجبها في التعريف بإجراء سحب الوكالة من النائب وتبسيطه الى عامة الشعب من خلال الحملات التوعوية أو الحضور الإعلامي في مختلف وسائل الاعلام التونسية .
كما تؤكد مختلف مواقف التونسيين المساندة أوالمعارضة لتطبيق هذا الاجراء التي ربما قد تستند وفقا لمواقف سياسية من النظام الحاكم، تؤكد عدم الدراية الواضحة لديهم لتفاصيل تطبيقه خلال مرحلة ما بعد تركيز المجلس النيابي الجديد وهو ما سيشرع لبعض الناخبين الإلتجاء لهذا الإجراء من اجل اقصاء بعض النواب فقط لكونهم يمثلون خصوما سياسيين مثلا دون الاستناد الى تقييم وموضوعي لفترة عملهم تحت سقف البرلمان .
والأكيد أن هذا الامر سيخلق ضغطا سياسيا يراه البعض إيجابيا فيما يراه أخرون سلبيا على بعض النواب ولكن الأكيد أن الطرفان يجمعان على ان المرحلة القادمة في البلاد قد لا تتحمل اجراء انتخابات جزئية في عدة دوائر إنتخابية كل سنة مثلما هو الحال في عدة دوائر بلدية .